هل جرّب أحدكم أن يتذوّق قطعة من الفلفل الحار لأقصى درجة، وما أن يبتلعها حتى يأكل قطعة من الحلوى التي تصل نسبة السكريات فيها إلى مائة بالمائة؟!
سؤال محيّر فعلاً، لدرجة يصعب معها أن تتخيله، إلا أنه بات بالفعل واقعاً ملموساً شهده حفل عمرو دياب الأخير في جولف بورتو مارينا، والدليل على ذلك في التفاصيل التالية.
كواليس قبل الحفل
حرص منظمو الحفل على بدء التحضيرات والاستعدادت في وقت مبكر؛ لتفادي الزحام الشديد الذي حدث أثناء حفلته العام الماضي حيث وصل الحضور وقتها إلى 70 ألف شخص، وقرر المنظمون زيادة المساحــة المخصصة لاستقبال أكبر عدد من الجمهور بدون زحام، وفتح الأبواب الساعة الخامسة مساءً ووضع الـ"DJ" في الساعة التاسعة، ثم يصعد دياب على المسرح في العاشرة ونصف مساءً، ووصل ثمن التذكرة إلى 150 جنيهاً للجمهور العادي، و350 جنيهاً للـvip، وتم طرح التذاكر في العديد من الأماكن، سواء في عدد من محلات "سيتي ستــارز" في القاهرة، أو بعض المحلات ومنافذ البيع بالساحل الشمالي، ومارينــا، وتم وضــع أكشاك للبيع أمام نادي سموحــة، ونادي سبورتــنــج، وما أن تم طرح التذاكر حتى نفدت من الأسواق؛ ليرتفع سعر التذكرة في السوق السوداء ما بين 300 و500 جنيه، ليشتكي الكثير من غير المصريين ضد عدم توافر أماكن لهم في الـvip رغم حرص كثير منهم سواء من الجنسيات العربية أو الغربية على الحضور لمصر خصيصاً من أجل الحفل.
قطعة الفلفل الحار
تعرّض الآلاف من جمهور "عمرو دياب" إلى معاناة رهيبة، طوال يوم الحفل الموافق الجمعة "السابع من أغسطس" إذ توافدت أعداد ضخمة من الشباب والفتيات على أبواب الحفل عقب صلاة الجمعة، إلا أن الأمن حال دون دخولهم، ولم يلتفت إلى الاحتجاجات والتكدس البشري الرهيب قبل الخامسة مساءً، بعد أن بلغ التعب والإرهاق بالجمهور الذي غرق في عرقه مبلغه، بخلاف توقف حركة مرور السيارات تماماً على الطريق الدولي "إسكندرية - مطروح"، وعلى مدخل طريق "وادي النطرون - العلمين"؛ بسبب تكدس السيارات الخاصة بجمهور حفل الهضبة.
وقد امتد طابور السيارات لأكثر من 15 كيلومترا، ورغم كثافة رجال المرور إلا أنهم فشلوا في التنظيم، وبعد معاناة طويلة فوجئ جمهور دياب عند دخول القرية بطلب الأمن تغيير التذاكر الصفراء التي يحملونها بأخرى سوداء، وهي الطريقة التي ابتكرتها الشركة المنظمة لمنع تزوير تذاكر الحفل؛ ليتسبب هذا الأمر المفاجئ إلى حدوث حالة عشوائية بين صفوف الجمهور الذي تزاحم لتبديل تذاكره بالتذاكر الأخرى المعتمدة، وفي النهاية وبعد كل هذه المتاعب والآلام، فوجئ نحو أكثر من 2000 فرد من الجمهور بمنع أفراد الأمن لهم من الدخول رغم حصولهم على تذاكر دخول صحيحة بدعوى أن العدد قد اكتمل، مما جعلهم يحطّمون البوابات ويندفعون إلى ساحة المسرح؛ ليتحوّل الحفل إلى ساحة قتال بين الجمهور المحتشد خارج بوابات الدخول، وأفراد الأمن "البودي جاردات"، عقب قيام الجمهور بتحطيم الحواجز والهجوم على المسرح في ظل مطاردة بالعصا من قِبل "البودي جاردات"، واستخدمت قوات الأمن فيها العصي الكهربائية والأيدي؛ مما أدى إلى إصابة المئات من الجمهور وسط حالة من الهلع والفزع كادت تتسبب في إلغاء الحفل!
حتى الذين حالفهم الحظ بالدخول في أمان والوصول إلى المسرح في سلام، سقط بعضهم من فرط الإجهاد والاختناق، الأمر الذي دفع بالمنظمين للإعلان عن وجود مصابين بمقدمة المسرح، مطالبين من عربات الإسعاف التوجّه لإنقاذهم!
وفي الثامنة مساءً صعدت الفرقة الموسيقية المصاحبة للهضبة، وقامت بعمل البروفات على أغنيات الحفل، وعزفوا مقطوعات موسيقية كاملة لبعض أغنيات دياب، لينالوا تحية الجمهور الذي تفاعل مع كل عازف وحيّاه باسمه.
ومع دقات العاشرة والنصف، بدأت فقرة لاعب الدي جي خالد حسين، وقام بتقديم بعض الأغنيات الشهيرة، حيث قدّم عدداً من التراكات والريمكسات الغربية التي رقص عليها الجميع وكانت بمثابة إحماء لفقرة الهضبة وعلى رأس المقطوعات التي لعبها كانت "Elkcro" و"Raise up"، بالإضافة لبعض مقطوعات شهيرة من موسيقى "الهاوس".
ثم تجددت المعاناة عندما أعلن منظمو الحفل عن مسابقة مقدّمة من إحدى شبكات المحمول للجمهور، حيث طلب المنظّمون من الجمهور التوجّه للتسجيل بالمسابقة بالجانب الأيمن من المسرح، مما أحدث حالة جديدة من التزاحم والتكدّس بين الحاضرين، وبعد نصف ساعة تم الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز تنوّعت ما بين "I Pod" و"Labtops" قدّمتها الشبكة لجمهور الهضبة.
قطعة الحلوى
ورغم أن فقرة "دياب" كان من المقرر لها أن تبدأ في العاشرة والنصف، إلا أن التأخير استمر حتى دقت الساعة الثانية عشر صباحاً دقاتها! حيث تم عرض مقتطفات من الحلقات الأولى والأخيرة من برنامج "الحلم" الذي يُؤرخ المسيرة الفنية للنجم عمرو دياب، وتفاعل الجمهور مع تلك اللقطات التي تُثبت أن أغنيات دياب تتعرّض للعديد من السرقات من مطربين ومطربات الغرب، حتى أن الحماس دفع الجمهور ليُردد في قوة: "بص شوف.. عمرو بيعمل إيه..." و"تعال يا هضبة"..
وفي الثانية عشر والنصف تم عرض كليب "ويّاه" بشاشات العرض المثبتة على جانبي المسرح؛ ليتفاعل معه الجمهور بشدة، مرددين كلمات الأغنية، عندها تأكد الهضبة الذي كان يُراقب الموقف عن قرب، أن الحماس قد بلغ من الجمهور مبلغه وأن التأييد قد بلغ نقطة الذروة؛ فإذا بالجمهور فجأة يجد أمامه على خشبة المسرح نجمهم المحبوب قائلاً بنبرات صوته القوية المميزة: "الله على حبك أنت"، ليدوي التشجيع والصراخ الجنوني بشكل كاد يهزّ معه المكان، ليحيّي الجمهور الهضبة قائلين: "بس أنت تغني وإحنا معاك"، كما هتفت بعض الفتيات: "عيني وأنا شايفة عمرو دياب عايزة تاني إيه"..
ثم ظل الجميع يصرخ: "بنحبك.. يا عمرو"، ليبتسم الهضبة قائلاً في حماس: "إحنا لسه ما عملناش حاجة، الحفلة فيها مفاجآت كتيرة".. لتزداد مع كلماته صرخات التشجيع والحب، وقد تحوّل الخمسون ألف حاضر إلى 50 ألف نسخة من "عمرو دياب" بعد أن توحّد معهم، وتوحّدوا معه!
في الساعة الأولى من الحفل حرص عمرو على التركيز على أغنيات ألبومه الجديد التي غناها بالكامل، عدا أغنية "عيني وأنا شايفة" ثم قام بإعادة غناء أغنيات "الله على حبك أنت"، و"يهمك في إيه"، و"حلوة الممنوووعم"، ليختفي "عمرو" فجأة من خشبة المسرح؛ لتغيير ملابسه، وهي العادة التي حرص عليها في حفله قبل الأخير بمارينا 2008، ثم عاد مجدداً مرتدياً "تي شيرت" أصفر، وبمجرد ظهوره صاح مردداً: "عيني وأنا شايفه عايزة تاني إيه" ليشتعل حماس الجمهور على نغمات الأغنية الـ"تكنو هاوس" ويعود للجميع نفس الحماس الذي بدؤوا به الحفل، ويبدو أن اندماج الجمهور مع الأغنية وتفاعلهم معها، قد دفع "دياب" لتكرار الأغنية 4 مرات كاملة.
ظهر في إحداهم المطرب والملحن "عمرو مصطفى"، وقام دياب بتحيته على تقديم لحن الأغنية، وحث الجمهور على تشجيعه، كما صعد على المسرح أيضاً الشاعر "عبد المنعم طه" والشاعر الشاب "تامر حسين"، كما قام "دياب" بتحية الشاعر "أيمن بهجت قمر" الذي كان يتواجد بين الحضور، وكذلك الموزع الشاب حسن الشافعي. وحرص دياب على تحية كل من تعامل معهم في ألبومه الأخير "ويّاه" من شعراء وملحنين، وعلى الرغم من الذاكرة القوية لدياب التي أهلته لعدم نسيان أي منهم، إلا أنه اعتذر مقدّماً عن نسيان أحد من فريق عمل "ويّاه"، بجانب توجيه الشكر إلى د."مدحت العدل" مؤلف أغنية "رصيف نمرة 5" و"عمرو طنطاوي"، وغيرهم ممن شاركوه مشوار 28 عاماً من النجاح والتألق بلا منافس.
بعدها عمد "دياب" إلى العودة إلى روائعه القديمة مثل "رصيف نمرة خمسة" و "قمرين"، بالإضافة إلى عمل "ميدليهات" مزج بها مجموعة من أشهر أغنياته القديمة مثل "ممنوووعل"، و"شوقنا".
خفة ظل دياب
تميّز الحفل بالعديد من المواقف التي أظهرت خفة ظل الهضبة، فمن المعروف أن "عمرو دياب" كان بطل إعلانات شركة "كوكاكولا" في الفترة التي غنى فيها أغنية "رصيف نمرة خمسة"، وبعد أن ترك الهضبة "كوكاكولا" وأصبح نجم إعلانات "بيبسي"، استبدل كلمة "كوكاكولا" في الأغنية بكلمة "بيبسي" في الحفلات التي كان يغني فيها هذه الأغنية. لكن الطريف أنه أثناء غناء أغنية "رصيف نمرة خمسة"، انتظر الجمهور كيف سيتعامل دياب مع الكوبليه الثاني بالأغنية بعد أن ترك "بيبسي"، فإذا به يتخلّى عن ذكر أي من الشركتين قائلا: "وأفلام قديمة وإعلان مايه ساقعة"!
وعندما عُرض كليب "ويّاه" للمرة الثانية بالحفل، قام "دياب" بالوقوف أمام الجمهور كاشفاً عن ذراعه الأيسر الذي يحمل اسم ابنه "عبد الله"، ليتبعه بذارعه الأيمن والذي يحمل أسماء بقية أبنائه مفتخراً بهذه الموضة، وبرسم أسماء أبنائه على ذراعيه، وسط تأييد الجمهور وتصفيقه.
كما ألقى أحد الأشخاص بعَلَم مصر على مسرح الحفل، والتقطه "دياب" وغنّى وهو يلوح به بطريقة حماسية، وعندما تلقى "مسبحة" هدية من أحد الأشخاص، قال مازحاً: "السبحة دي بمناسبة الأدعية الجديدة في رمضان ولا إيه؟".
وبعد أكثر من ساعتين ونصف من الغناء المتواصل، أنهى دياب الحفل بغناء ثلاث أغنيات سريعة هم: "الله على حبك أنت"، و"عيني وأنا شايفه"، و"حلوة الممنوووعم". ثم تعمّد ترك الجمهور بطريقة طريفة فقال: "هنشوف مين فينا اللي هيتحرّك أكتر، أنتم أصغر مني بكتير، بس أنا بسني ده بلعب رياضة 3 ساعات كل يوم".. ثم انصرف مسرعاً؛ ليمتزج خلفه مذاق الفلفل الحار الذي عانى منه الجمهور في الدخول والانصراف، بمذاق الحلوى التي ذاقها الحضور على مدار ساعتين ونصف استمع واستمتع فيهم الجمهور بأجمل أغاني مطربه المفضّل الذي يحتل في وجدانهم المكانة الأولى.. والأخيرة.